بسم الله و الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله
دروس في تربية النحل أو النحالة
مدخل و تمهيد:
يسعدني و يشرفني أن أبدأ في نشر ترجمة الدروس التي تلقيتها عن المدرسة البلجيكية للنحالة , و هي المدرسة التابعة للفيدرالية الملكية البلجيكية لتربية النحل ، فتحت أبوابها منذ عام 1969 بضاحية مدينة " ليــيـج " ، و كنت بفضل الله و منه و توفيقه ، أول مسلم و أول عربي يحصل على دبلومها ، حسبما أكده لي مديرها سنة 1980 .
ـــــــــــــــــــــــــ
الدرس الأول :
تاريخ النحالة : بقلم : جاك لومير Jacques Lemaire.
ترجمة : [ المراكشي ] لحسن بنلفقيــه Benlafqih
مقدمة :
من بين الكائنات الحية المختلفة الأنواع ، و من بين كل تلك التي زوِّدت منها بتلكم المهارة العبقرية التي نسميها الغريزة ، من بين هذه كلها ، لا يوجد من هي أكمل صنعا لإثارة إعجاب الإنسان ، و لا من هي أقدر على التأثير في كبريائه مثل النحل ، موضوع درسنا هذا و ما سيليه من دروس .
تاريخ النحالة :
{ لا شيء أحلى من العسل } ، كان هذا هو جواب رجال " ثينا " على اللغز الموضوع من طرف " شمشـون " . و تتردد هذه الصورة كلازمـة خلال حقبات ما قبل التأريخ . و تتجمع الكلمات في كل اللغات لتعطي للعسل معنى الحلاوة الزائدة و الطعم اللذيذ . فهل يستلزم هذا الإعتقاد بأن تربية النحل قديمة قدم العالم ?
هذا غير صحيح ، على الأقل إذا اعتبرنا المعنى الحقيقي للكلمة ، و ما ترمز إليه من استعمال بيوت منتظمة في الوضع و مهيئة لإيواء طرود النحل قصد الجني المنظم و الممنهج لإنتاجها من العسل .
تعتبر النحالة Apiculture من الفتوحات الإنسانية التي يمكن وصفها بالمتأخرة . صحيح أنها عُرِفت منذ أكثر من ألف سنة قبل الميلاد ، إلا أنها بقيت و لآلاف السنين في مرحلة بدائية ، اكتفى الإنسان خلالها بجني العسل دون معرفة كيفية إنتاجه و دون أن يفكر في حماية هذا الإنتاج و رعايته . و يتعلق الأمر هنا بعسل الغابات و المغارات الذي يعثر عليه بالصدفة أساسا . و كل الشواهد و الآثار توحي بأن معرفة العسل البري و أخذه من بيوت النحل [ الخلايا ] هي الخطوات الأولى نحو النحالة .
كان قدماء المصريين يرسلون بعثات حقيقية لجمع العسل و شمع النحل حول مشاجر { البطمTérébinthe } . و كانت تلك البعثات مصحوبة بحراس مسلحين بالأقواس و النبال للدفاع عنها و حمايتها من قطاع الطرق .
قد يقول قائل : هذه مجرد خرافات لعدم إدراكه للأهمية البالغة التي كان العسل يحظى بها في ذلك الزمان الغابر .
إلا أن القدماء تنبهوا إلى ضرورة المحافظة على هذا الإنتاج المهم ? و ذلك بالإمتناع عن أخذ كل ما يجدونه من عسل في البيوت الطبيعية للنحل ، و الإكتفاء بأخذ قسط من ما يجدونه من مخزون العسل خلال زياراتهم المنتظمة . و منذ أن سلكوا هذه الطريقة ، تقدم القدماء بخطوات سريعة نحو النحالة ، و خاصة بعد أن أسكنوا النحل في بيوتا خاصة به .
إن أنواع الخلايا التي صنعها الإنسان في هذا الميدان جد متنوعة :
فضَّلت مصر الجرة و أنابيب من الطين . و وقع الإختيار في غير هذا البلد على مواد عازلة مثل لحاء أشجار { البلوط } أو { الفلين } في أشكال أسطوانية ، و أغصان { السوحرOsier } على شكل سلال مختلفة الحجم ، ثم الخشب الذي أعطى للخلايا مظهر بيوت النحل .
أما فيما يخص معرفة النحل ذاته ، فقد بقي الطيران العرسي vol nuptial ، و خصوصيات التكاثر لذى الملكات مجهولا من طرف الأقدمين . و ظهرت نظريات غريقة في الغرابة عن توالد النحل و تكاثره . و كيفما كان الحال فإن هذه الحشرات بقيت دائما رمزا للخلود .
إذا كان لزاما علينا تصديق الأسطورة ، فإن أصل النحل من جزيرة باليونان .
كانت الأدوات المستعملة عند اليونانيين جد بدائية ، و هي عبارة عن إناء ذي قناتين ، يسمح بنفخ دخان كثيف داخل الخلايا . و يعصر الشهد في سلال مخروطة الشكل و مصنوعة من أغصان { السوحر = Osier } ، أو في أواني فخارية مثقوبة عثر علماء الحفريات على نمادج كثيرة منها . و كان العسل يخزن في جرار فخارية و يقفل عليه بالشمع .
أما بالنسبة لتعمير الخلايا و إسكان النحل بها ، فإن النحال البدائي كان يعتمد أساسا على ما تجود به الطبيعة ، و إعانته لها بطرق اكتسبها تدريجيا نتيجة احتكاكه بالنحل .
و تبعا لنصائح " فرجيل Virgile " [70 ـ 19 ق.م. ] ، يجب أن تكون خلايا النحل مغطاة من الخارج لحمايتها ضد أعدائها و من تقلبات الجو ، مع تزويدها بأغطية منفصلة عنها حتى يمكن الزيادة في حجم بيوت النحل حسب توافر كميات مخزونها . و من أنفذ التوصيات و أحذقها عند " فرجيل " توجيه أبواب الخلايا نحو الشرق و وضعها في أماكن دافئة لوقايتها من الرياح . كما أوصى بإعطاء الخلايا ميِلاً أماميا عند وضعها على الأرض ، حتى يتسرب منها ماء المطر إلى الخارج . و تكلم عن قص أجنحة الملكة [و كان فرجيل يتكلم عن الملك ] لمنع التطريد essaimage أو خروج الطرود [ التفريخ ] ، و ذكر أيضا استعمال الأصوات المزعجة و إرسال الرمل في الهواء لإرغام طوائف النحل الطائر [ الطرود = essaims ] على النزول لإصطيادها .
ــــــــ
[ يتبع ]